ما هي القيلولة؟وما هي فوائدها؟
-القيلولة سنة مهجورة
كثير من السنن النبوية ماتت في حياة الناس، ولا يكون لها أهمية إلا إذا ألبست لباس الاكتشافات العلمية الحديثة، فالحجامة -على سبيل المثال- مع كونها سنة نبوية، يجب أن توضع موضعها الصحيح حتى تطبق السنة بشكل إيجابي، ومع كون النبي صلى الله عليه وسلم أشار إليها في زمنه، فإنها لم تأخذ حظا من الانتشار في حياة المسلمين، حتى جاءت الدراسات الغربية لتؤكد أهمية الحجامة كنوع من العلاج.
-فوائد علمية وصحية للقيلولة
ومن تلك السنن التي أضحت معدومة في حياة المسلمين، سنة القيلولة، وبدأ أهل العلم يتحدثون عنها وعن فوائدها، وكتبت فيها أبحاث هامة، تؤكد فوائدها العلمية.
قال النبي صلى الله وسلم : " قيلوا، فإن الشياطين لا تقيل ".
التخريج (مفصلا): الطبراني في الأوسط و أبو نعيم في الطب عن أنس تصحيح السيوطي: حسن، كما حسنه الألباني (صحيح الجامع الصغير 4431).
-معاني الألفاظ :
قال الجوهري: هي النوم في الظهيرة .
والمعروف أنه من شروطها أن تكون قصيرة.
وقد أتى العلم الحديث ليؤكد فوائد القيلولة في زيادة إنتاجية الفرد، ويحسن قدرته على متابعة نشاطه اليومي .
ويشير الدكتور حسان شمسي باشا إلى ما أكده الباحثون في دراسة نشرت في مجلة "العلوم النفسية" عام 2002 من أن القيلولة لمدة 10 – 40 دقيقة (وليس أكثر) تكسب الجسم راحة كافية، وتخفف من مستوى هرمونات التوتر المرتفعة في الدم نتيجة النشاط البدني والذهني الذي بذله الإنسان في بداية اليوم. ويرى العلماء أن النوم لفترة قصيرة في النهار يريح ذهن الإنسان وعضلاته، ويعيد شحن قدراته على التفكير والتركيز، ويزيد إنتاجيته وحماسه للعمل.
وأكد الباحثون أن القيلولة في النهار لمدة لا تتجاوز 40 دقيقة لا تؤثر على فترة النوم في الليل، أما إذا امتدت لأكثر من ذلك، فقد تسبب الأرق وصعوبة النوم.
وتقول الدراسة التي تمت تحت إشراف الباحث الأسباني د. إيسكالانتي: "إن القيلولة تعزز الذاكرة والتركيز، وتفسح المجال أمام دورات جديدة من النشاط الدماغي في نمط أكثر ارتياحا". كما شدد الباحثون على عدم الإطالة في القيلولة، لأن الراحة المفرطة قد تؤثر على نمط النوم العادي. وأشار الدكتور إيسكالانتي إلى أن الدول الغربية بدأت تدرج القيلولة في أنظمتها اليومية، وأوصى بقيلولة تتراوح بين 10 – 40 دقيقة" ا هـ.
-القيلولة في حياة المسلمين
ورغم كثرة الأبحاث العلمية التي تناولت القيلولة، ومع أهمية هذه الأبحاث، فإننا نشير إلى القيلولة على أنها سنة نبوية مهجورة، وحين يطبقها المسلمون يطبقونها اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، حتى يكون في فعلها اتباع للنبي صلى الله عليه وسلم ينال منه المسلم ثوابا من الله تعالى، مع ما فيها من الفوائد.
ومن المعلوم أن القيلولة هي نومة وسط النهار، وكان من السنة أن يقيل المسلمون إذا كان الجو حارا، ويؤخرون صلاة الظهر، فيصلون جماعة، وليس فرادى، إلا يوم الجمعة، فإنهم كانوا يبكرون بالصلاة، ثم يقيلون بعدها.
أخرج ابن ماجه بسنده عن سهل بن سعد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة"، وفي صحيح البخار ي عن أنس بن مالك قال: "كنا نبكر بالجمعة ونقيل بعد الجمعة".
ويلاحظ أن الصحابة كانوا يحرصون على وقت القيلولة حرصا شديدا، حتى إن أحدهم إن لم يستطع القيلولة بالبيت، قال في المسجد، وهذا ما يظهر من حكاية خصام علي مع فاطمة، والحديث أخرجه البخاري عن سهل بن سعد قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت فاطمة فلم يجد عليا في البيت فقال :أين ابن عمك؟ قالت: كان بيني وبينه شيء فغاضبني فخرج فلم يقل (ينام القيلولة) عندي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان: انظر أين هو. فجاء فقال: يا رسول الله، هو في المسجد راقد. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقه وأصابه تراب فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسحه عنه ويقول : "قم أبا تراب، قم أبا تراب".
بل الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يحافظ على نومة القيلولة، فقد أخرج البخاري عن أم حرام بنت ملحان أخت أم سليم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عندهم، فاستيقظ وهو يضحك. قالت: فقلت يا رسول الله: ما أضحكك؟ قال : رأيت قوما ممن يركب ظهر هذا البحر كالملوك على الأسرة. قالت : قلت يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم. قال: فإنك منهم. قالت: ثم نام فاستيقظ وهو يضحك. قالت: فقلت يا رسول الله ما أضحكك؟ فقال مثل مقالته. قالت : قلت يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم. قال: أنت من الأولين. قال فتزوجهاعبادة بن الصامت فغزا في البحر فحملها معه، فلما رجع قربت لها بغلة لتركبها فصرعتها، فاندقت عنقها فماتت.
-فوائد القيلولة الإيمانية
وإن كان للقيلولة فوائد صحية، أشارت إليها الأبحاث، فإن للقيلولة فوائد إيمانية، أهمها :
- إراحة الجسم حتى يستطيع القيام بالعبادة، فكلما كان الجسد في راحة، بعيدا عن الإجهاد والتعب، كان أداء الإنسان لعبادته أفضل، وفرق بين من يتجهز للصلاة والطاعة، وبين من يفعلها إسقاطا لأداء الواجب، ولعل أحدنا يتذكر يوما كان فيه مجهدا، فقام للصلاة، فما وجد فيها إلا أداء للحركات، بغية إسقاط الفريضة، أو أنه قرأ القرآن وهو مجهد، فما عاش مع معانيه، ومن هنا، فإن إراحة الجسد بالقيلولة فيه دعوة لإتقان العبادة.
- الاستعداد لقيام الليل، فإن استرخاء الجسد بسنة القيلولة لا يجعل الجسد ينام كثيرا، مما ينهض أصحاب الليل لأداء أشرف عبادة في الإسلام، وهي قيام الليل، فقد أخرج ابن ماجه والطبراني عن ابن عباس مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: "استعينوا بطعام السَحَر على صيام النهار، وبالقَيْلُولَةِ على قيام الليل". قال حجة الإسلام: وإنما تطلب القيلولة لمن يقوم الليل ويسهر في الخير فإن فيها معونة على التهجد، كما أن في السحور معونة على صيام النهار، فالقيلولة من غير قيام الليل كالسحور من غير صيام النهار.
- والقيلولة مما يساعد الإنسان على المحافظة على صيام النافلة، فقد أخرج البزار كما في اللآلئ من حديث قتادة سمعت أنسا يقول: ثلاث من أطاقهن أطاق الصوم: من أكل قبل أن يشرب، وتسحر، وقال، يعني نام بالنهار وقت القيلولة.
- القيلولة من شيم الصالحين، وقد كان السلف رضوان الله عليهم يحرصون عليها أشد الحرص، لما لها من أثر كبير في حياة الإنسان، حتى إن الواحد ليتابع عماله وأهل بيته في المحافظة عليها، ففي حديث مجاهد قال: بلغ عمران عاملا له لا يقيل، فكتب إليه أما بعد فقِلْ فإن الشيطان لا يَقيل.
وعن أبي فروة أنه قال القائلة من عمل أهل الخير، وهي مَجَمَّة للفؤاد، مِقْواة على قيام الليل.
فهل نعود إلى سنة القيلولة، أم تتيه منا في زحام العمل؟!
جماعات لمناصرة "نوم القيلولة"!
تنتشر في العالم هذه الأيام دعوة لمناصرة "نوم القيلولة" تتبناها منظمات وسياسيون ونواب برلمانيون؛ ففي البرتغال هناك "رابطة محبي نوم القيلولة"، يتولى وزير العمل بنفسه مسئولية الدفاع العلني عن "القيلولة"، وفي فرنسا يدعو الخبراء إلى مشروع لـ"تقنين القيلولة"، وفي أسبانيا محلات للتدليك أثناء القيلولة بمقابل مادي كبير، وفي إيطاليا يدعو كبار السياسيين لقيلولة، وتسمى مدينة كتانيا في جزيرة صقلية: العاصمة الوطنية للقيلولة، وفي الولايات المتحدة "غرف خاصة للقيلولة" أنشأتها بعض المؤسسات والشركات، فضلاً عن "مؤسسة النوم الوطنية الأمريكية" التي تدعو دومًا إلى مناصرة "القيلولة"، وفي الصين يوجد اعتراف دستوري بـ"القيلولة" كحق لجميع العمال، وفي الهند يوجد قانون يعاقب من يقطع قيلولة الآخرين، وفي اليابان هناك حضور طاغٍ للقيلولة.. وهناك أسرّة للاسترخاء في معظم الشركات والمصانع بهدف تحقيق زيادة الإنتاجية!
-القيلولة في السنة النبوية
وبداية، القيلولة في "لغة الضاد" هي النوم في الظهيرة كما ورد في معجم "مختار الصحاح"، فتقول: فلان "قال" من باب باع و"قيلولة" أيضًا و"مقيلاً" فهو "قائل"، وقوم "قَيْلٌ" و"قُيَّلٌ".
و"القيلولة" لا يُشترط أن تتضمن نومًا، وإن كان مشترطًا فيها "الاستراحة في منتصف النهار" كما في لسان العرب والمعجم الوجيز، وقد ثبتت القيلولة في السلوك النبوي الشريف، وهي في السُّنَّة لا تستلزم النوم أثناء النهار بل تتطلب الرقاد والاسترخاء فقط مثلما تدعو أحدث النظريات العلمية الغربية التي نتعرض إليها، وهناك أكثر من تأكيد نبوي على أهمية التمسك بالقيلولة، ومن ذلك: عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قيلوا فإن الشياطين لا تقيل" رواه الطبراني في الأوسط، ودعوته الصريحة إلى الاستعانة بـ"قيلولة النهار" على "قيام الليل".
يؤكد الدكتور "يسري عبد المحسن" أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة أن هناك فوائد نفسية وفسيولوجية كثيرة ناجمة عن القيلولة التي تعني الاسترخاء في الأساس كما في السنة النبوية الشريفة، وهذا هو سر التفاف الغربيين حول القيلولة وتنظيمهم رابطات للدفاع عنها والترويج لها، فيومًا بعد يوم تجرى بحوث ودراسات جديدة، ويتم اكتشاف منافع للقيلولة لا حصر لها.
ويضيف د.عبد المحسن: تساعد القيلولة أو الاسترخاء التام ما بين ثلاثين إلى ستين دقيقة، الإنسان على شحن بطاريته النفسية والفسيولوجية، وتحقيق حالة من الراحة التامة للذهن وكافة عضلات الجسم والجهاز الحركي. ومع هذا التداعي الحر وتوجيه الفكر بعيدًا عن الالتزام بشئون العمل والحياة، يعود المرء أقوى وأنشط وأكثر قدرة على العمل والعطاء، أما إذا طالت فترة النوم ووصلت إلى ساعتين مثلاً، فإن النوم النهاري هنا يقود إلى حالة من الخمول والكسل وربما الأرق الليلي، ويكون للنوم أثر سلبي.
-تجديد النشاط
ويلتقط خيط الحديث الخبير النفسي الدكتور "فتحي عفيفي" الأستاذ بجامعة الأزهر، موضحًا أن الغرض الأبرز من القيلولة هو عزل الإنسان تمامًا عن المؤثرات الخارجية، ويقول: تساعد هذه الحالة على إراحة الخلايا المخية والأعصاب من الإجهاد الذي يحل بها، وليس المهم طول فترة النوم بقدر أهمية التعمق في الاسترخاء، وإذا كان نوم القيلولة مصحوبًا بأحلام فربما زادت فائدته؛ لأن الأحلام دليل على أن الاسترخاء كان عميقًا ووصل إلى مستوى ما تحت القشرة الدماغية.
من جهته يوضح الدكتور "عمرو عمار" إخصائي المخ والأعصاب، أن حركة كهرباء المخ تستنفد وتجهد من العمل منذ وقت مبكر من النهار، ولذلك يحتمي المرء بالقيلولة أو فترة الراحة، ولو لدقائق معدودة ليستطيع المحافظة على تركيزه العالي ويواصل العمل إلى الليل بالكفاءة ذاتها.
وبشأن إمكانية تأسيس رابطات أو منظمات لمناصرة القيلولة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية على غرار مثيلاتها الأوربية يقول الدكتور "عمرو عمار": أعتقد أن الأمر مختلف بالنسبة لمجتمعاتنا لأكثر من سبب:
أولاً: لأن القيلولة موجودة في سلوكنا وفي ضمائرنا باعتبارها سنة نبوية وعادة شرقية.
ثانياً: لأن مواعيد العمل في معظم الأماكن الحكومية في الدول العربية تسمح للمواطن بالعودة إلى منزله والتمتع بدقائق من القيلولة قبل أن يعاود نشاطه في المساء أو يمارس عملاً إضافيا إذا تطلب الأمر منه ذلك.
ثالثاً: لأن هذه المنظمات والحركات والرابطات الغربية إنما وُجدت في الأساس لإزالة صورة سيئة خاطئة للقيلولة لدى الغربيين تمكنت منهم سنوات طويلة إلى أن دحضها العلم الحديث، حيث كانوا يعتقدون إلى عهد غير بعيد أن القيلولة من سمات الكسالى، وأن النوم بالنهار لا طائل منه، أو أنه من مخلفات "رفاهية الشرق القديمة"!
-المكتشفون الجدد
ويجد خبراء وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" من أوائل "المكتشفين الجدد" لفوائد القيلولة، حيث ثبت لديهم أن السماح للعاملين بالنوم في مكاتبهم لفترة لا تزيد على 45 دقيقة بعد الظهر يزيد من كفاءة عملهم بنسبة 35%! وفي فرنسا كان لشركة "آبل" لنظم المعلومات، السبق في عام 1990 في إنشاء مرافق للمستخدمين خاصة بالقيلولة!
وقد أثبتت الأبحاث الطبية الغربية الحديثة أن نوم القيلولة يقلل من مخاطر الإصابة بالأمراض القلبية وأمراض الشرايين بنسبة 30%، وأن القيلولة تعيد للجسم حيويته من 4 إلى 5 مرات، كما أنها تساعد على تقوية العضلات وتنشيط المخ.
والقيلولة النموذجية تتراوح بين 10 دقائق إلى 40 دقيقة، ويحظى فيها الإنسان بنوم خفيف ولكنه هادئ، ويستفيد جسم الإنسان منها استفادة كاملة، وقد اتضح أن أخذ غفوة لمدة 30 دقيقة قد يجدد النشاط والمهارات الإدراكية للإنسان.
وأكد العلماء في مؤسسة "النوم الوطنية الأمريكية" أن فترات القيلولة القصيرة في منتصف النهار لمدة نصف ساعة تلغي تأثير التعب، وتعيد الاستقرار والحيوية والنشاط للذهن والجسم مهما كانت نوعية المهمة التي يقوم بها الإنسان، كذلك فقد اكتشف الباحثون أن ساعة واحدة من القيلولة العميقة أثناء النهار قد تكون مفيدة كالنوم طوال الليل، إذا تمكن الشخص من رؤية الأحلام فيها، كما أن النوم في فترات ما بعد الظهر يساعد في زيادة إنتاجية الفرد إلى الأفضل ويحسّن قدرته على التفاعل، ويكسب الجسم الراحة الكافية، ويقضي على هرمونات القلق والتوتر المرتفعة في الدم نتيجة النشاط البدني والذهني الذي بذله الإنسان في بداية اليوم.
أما إذا امتدت القيلولة إلى أكثر من ساعة، فإن ذلك يسبب فقدان الجسم لتوازنه الطبيعي بين الليل والنهار، ويواجه الفرد عندئذ صعوبة كبيرة في الاستيقاظ، ويعاني من مزاج سيئ ومزعج طوال الوقت.
وأبرزت دراسة أخرى أجريت في الولايات المتحدة الأمريكية أن النوم في وسط النهار حتى ولو كان أثناء العمل يعتبر سلوكًا طيبًا للصحة، وليس نوعًا من أنواع التكاسل أو الإهمال! حيث يحافظ على النشاط الذهني وبصفة خاصة عندما يكون العقل مثقلاً، وبدون هذه القيلولة أو "إغفاءة تجديد النشاط" فإن الكثير من المعلومات المتدفقة إلى عقل الموظف أو العامل يمكن أن تجهد الخلايا العصبية وتؤدي إلى فقدان القدرة على العمل!